أنهيتُ لتوي فيلم يتناول موضوع العلاج النفسي، وهكذا أعتقد أنني حملتُ رصيدًا كبيرًا من مُشاهدة هذا النوع من الأفلام والمسلسلات، ولكن يبقى المسلسل التركي "Ethos" 'طيف اسطنبول هو الأعظم، حيث يعرض المسلسل بعبقرية بالغة، التنوع الثقافي والاجتماعي والطبقي في تُركيا وانعكاساته داخل غُرف العلاج النفسي.
وربما ان أهم ما يشير اليه المسلسل هو عملية التحويل المضاد التي وصفها فرويد على أنها الحالة اللاشعورية التي يرى فيها المُعالج في المتعالج صورة الأب أو الأم أو الحبيب، مما قد يُنتج صراعات داخلية لا شعورية، تتطلب من المعالج بأن يطور مستوى معين من الموضوعية و عدم التصرف بطريقة لا عقلانية أو ذاتية أمام غضب المتعالج أو حبه .المُميز في المسلسل، أن المُعالجة " بيري " لم ترى في المُتعالجة "مريم "صورة لأي من هذا الثالوث الضيق الذي حصر فرويد مفهوم اللاشعور به : الأب، الأم، الحبيب . بل كانت مريم في عيون بيري انعكاسًا لطبقة اجتماعية ثقافية كاملة، وهُنا بدى التحويل المضاد تعبيرًا عن صراع طبقي وثقافي، بين العلمانيين والمتدينين، بين أصحاب المال والنفوذ الذين يعيشون في فيلات تطل على البحر وبين الاَخرين الذين يعيشون في العشوائيات .
أعتقد اذاً، أن هذا المسلسل نقد التحليل النفسي بشكل او باَخر، اذ خَلَص اللاشعور من اطاره الضيق جدًا الذي أخبرنا فرويد بأن حدوده لا تتعدى الحبيب والأسرة، ليقول لنا أن لاشعورنا هو في نهاية المطاف بناء لا يتوقف عن التشكل والنمو، وانه نتاج اشتباكنا مع الفضاءات العامة ومع القضايا الاجتماعية والطبقية وليس فقط نتاج علاقاتنا مع الأب والأم، أو كما يقول جيل دولوز في كتابه " ضد أوديب والرأسمالية" :المرء يهذي عن العالم وليس عن عائلته الصغيرة، يهذي عن التاريخ، والجغرافيا، عن القبائل، والصحراوات والشعوب . ويضيف بشيء من البلاغة: ان اللاشعور ليس مسرحًا بل مصنع، انه انتاج .
أخيرًا، وهذا الجزء هو أجمل ما في المسلسل، يوحي لنا المُخرج باشارات ذكية أن المُعالجة " بيري " لم تعد تُريد أن تُقاوم مشاعرها المتناقضة اتجاه " مريم" ولم تعد قادرة على اتباع القوانين الجامدة في الطب والعلاج النفسي والتي تُلزمها بأن تكون دائمًا مُحايدة، وعقلانية، وموضوعية، اذ تسمح لهذا السيل من المشاعر بأن يتسرب، وتسمح لنفسها بأن تتغير وتتأثر مما ينعكس ايجابًا عليها وعلى المُتعالجة مَريَم، رغمًا عن العلاج النفسي بصيغته التقليدية المُجحفة.
Comments