top of page

اكتئاب؟

تاريخ التحديث: قبل ٦ أيام

تعود سين من يوم عمل طويل، تدخل البيت وترمي حقيبتها جانبًا، ولكن الثقل يبقى على كتفيها، فهذا ثقل حياة لا تريدها ووظيفة لا ترغب فيها وليس ثقل الحقيبة. تتمدد على أريكتها الزرقاء وتُشاهد الشمس تَغيب، تتذكر جملة لميلان كونديرا “إن غيوم المغيب البرتقالية تضفي على كل شيء ألق الحنين، حتى المقصلة”. تنهض عن الأريكة، تشعُر بأن ثمة عوالم تتحرك داخلها، تتمشى في البيت وكأنها تبحث عن شيء ما. تقع عينها على حاسوبها  المتنقل نصف المفتوح أو نصف المغلق. فهكذا هي علاقتها مع الكتابة، مُترددة، فيها الكثير من المواربة والكَر والفر. تُقرر أن تكتب هذه المرة وتجد نفسها تَكتب رسالة لصديقها البعيد في كندا: 

المغيب

" أين انت يا صادق؟ لا أقصد جُغرافيا او أطلب منك تحديد موقعك. أقصد كيف أبعدتنا الحياة الى هذه الدرجة؟ فبعد أن كنت أعرف عنك كُل شيء، بعد أن كنت أعرف كل شيء عن حقول القمح المحترقة في قلبك. ها أنا أبحث عن سنبلةٍ تدلني اليك.. فالصور التي تُشاركها على انستغرام لا تُساعدني على رؤيتك بل تُبعدك أكثر، كيف تحولت من شريكة لحظاتك الى شخص يتابعها على انستغرام؟

أعلم انني لم أتواصل معك منذ فترة طويلة وأنني لم أرد على رسالتك الأخيرة التي قلت لي فيها انني ربما أعاني من الاكتئاب. بصراحة كُنت أحاول ان أستوعب كيف اختزلت مشاعري في هذا التشخيص الضيق. شعرت أن شخصًا اَخر أرسل لي هذه الرسالة، ليس أنت! لا مشكلة لدي مع تشخيص الاكتئاب، أعلم انه موجود وحقيقي، لكنه ليس قضيتنا، فأنت الذي تعرف الى أين تُشار أصابع الاتهام في هذا العالم، أنت الذي تعرف أن العالم هو المَريض وليس نحن، وان التكيف مع عالم غير عادل ليس ايجابية بل انهزام! وأنت الذي قلت لي أنه لا يجدر بنا لوم النهر اذا جرف كل شيء، بل لوم الضفاف التي تُحاصره. هل تذكر حين قال لك المعالج النفسي إنك تُعاني من تشتت الانتباه وجئتني تضحك قائلا أن تشتت الانتباه نتيجة حتمية للرأسمالية وما تحمل من خيارات ومُشتات ومُلهيات. هكذا اعتدتُ عليك! ثم أن الاكتئاب ليس لنا، نحن الباحثين عن المعنى، الممتلئين بالرغبة، العازمين على التغيير. أعرف انك سئمت من أحزاني الصغيرة وتوقي لعالم اَخر، ولكن لا تختزلني. لا تختزل سعينا المحموم لفهم العالم و أحاديثنا الطويلة عن ماهية الانسان ، ذلك الكائن المسكين...عزيزي صادق أكتب لك الاَن بينما تغيب الشمس خَلف غابات الاسمنت في هذه المدينة، وأتذكر عندما كُنا نمشي يوميًا بمثل هذا الوقت، هل تتذكر عندما اشتريت شطيرة فلافل ونحن نتمشى ولم تَجد فيها فلافل؟ حينها ضحكنا كثيرًا وقلت لك أن هذا شيء جيد فالحياة ليست كلاسيكية تمامًا والا فكيف يمكن ان يكون هناك شطيرة فلافل دون فلافل! هذا سحرٌ وأمر غير متوقع. المُشكلة يا عزيزي أن هذا الحدث كان اَخر شيء غير متوقع أراه في هذه المدينة المملة. 

صديقتك المخلصة سين"

سين في البيت

تتراجع سين عن إرسال الرسالة، تنظر الى الشُباك لترى ان الشمس غربت تمامًا وخيم الليل..




٥٠ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comentários


bottom of page